الحكيم ل(مصر الان)الطعون الانتخابية بين سوابق القضاء ومتغيرات السياسة
تشهد الساحة الانتخابية لحظة فارقة، بعدما تقاطعت السوابق القضائية المستقرة مع متغيرات غير مسبوقة في انتخابات 2025–2030، لتخلق حالة قانونية معقدة تتجاوز مبدأ صحة الإجراءات إلى سؤال أكبر: إلى أي مدى يمكن للنظام القانوني أن يتحمل هذا القدر من الاضطراب؟
المستشار الدكتور/ نزيه الحكيم الفقيه الدستوري يجيب لموقع (مصر الان)علي هذا السؤال قبل ساعات من حكم المحكمة الادارية العليا في البت بعدد ٢٥٩طعنا قدمت علي نتائج إنتخابات المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية قائلا:
أولًا: أنواع الطعون وحدود الاختصاص
تنقسم الطعون المنتظر الفصل فيها إلى نوعين واضحين، وفقًا لما استقر عليه قضاء مجلس الدولة ومحكمة النقض:
١) طعون الدوائر التي أعلنت نتائجها بالفوز الكامل
هذه الطعون – بحكم سوابق القضاء – ستصدر فيها قرارات بعدم الاختصاص وإحالتها مباشرة إلى محكمة النقض، باعتبار أن مضمونها يتعلق بصحة العضوية لا بصحة الإجراءات.
وعند وصولها إلى النقض، غالبًا ستُرفض لعدم اتباع طريق الطعن الذي رسمه القانون.
الخلاصة: من يطعن على دائرة أعلنت نتيجتها، الطريق الصحيح هو النقض مباشرة، مع استيفاء مستندات الإيداع.
٢) طعون دوائر الإعادة (باستثناء الدوائر الملغاة لاحقًا)
الحكم هنا يتوقف على وجود النموذج 16 ن من عدمه:
من تقدّم بتظلم صحيح خلال 24 ساعة من إعلان الحصر العددي وحصل على النموذج، ستُنظَر طعونه من حيث الموضوع، ويُفحص مدى تأثير المخالفات على نتيجة الدائرة.
من لم يتظلم أو تظلم خارج الميعاد فسوف يلاقي تطبيقًا صارمًا للمادة 55 من قانون 45 لسنة 2014، التي تشترط التظلم الوجوبي قبل رفع أي دعوى تتعلق بعمليتي الاقتراع أو الفرز.
والنتيجة هنا واضحة: عدم قبول الطعن شكلًا.
واضاف الحكيم أما إذا كان الطعن لا يمس الاقتراع أو الفرز مباشرة (مثل أخطاء التجميع أو الرصد)، فلكل حالة تقييم مستقل، وقد تُفتح لها مسارات مختلفة.
ثانيًا: المتغيرات التي قد تقلب المشهد
هذه الدورة ليست كسابقاتها. هناك عوامل طارئة قد تدفع القضاء إلى اجتهادات مختلفة أو إلى تضييق أو توسيع نطاق الرقابة القضائية:
١) حالة عدم الرضا الشعبي الممتدة منذ فتح باب الترشح
وهي سابقة لم تصل لهذه الدرجة في دورات سابقة.
٢) تدخل رئيس الجمهورية لأول مرة في تاريخ الحياة النيابية
تدخل علني دفع فيه الرئيس نحو تصحيح مسار العملية، وهو ما يعكس حجم الأزمة.
٣) دعاوى مطالبة الرئيس بإلغاء الانتخابات ومدّ عمل المجلس الحالي
وهي دعاوى تضغط على الهيئة الوطنية والقضاء معًا لإعادة تقييم المشهد من زاوية أوسع من مجرد الطعون الفردية.
٤) أخطاء الهيئة الوطنية والأحكام الصادرة بالمخالفة للمادة 12 من القانون 198 لسنة 2017
وخاصة ما يتعلق بالاختصاص القضائي، وهو ما قد يفتح بابًا واسعًا لإعادة النظر في بعض الإجراءات.
٥) مناخ انتخابي غير مسبوق… أشد من 2010
وأضاف إن ما جرى في المرحلتين تجاوز ما شهدته انتخابات 2010، لكن الفارق الجوهري أن رد فعل الرئيس الحالي كان مختلفًا تمامًا؛ أكثر انحيازًا للحفاظ على الاستقرار ومنع كارثة سياسية، في وقت تمسّك فيه مهندسو العملية الانتخابية الحالية بتمريرها بأي ثمن دون إدراك العواقب.
الخلاصة: قراءة قانونية باردة في مشهد مشتعل
المحكمة ستظل محكومة بالنصوص والسابقة القضائية، لكن الظروف السياسية الضاغطة قد تجعل بعض الدوائر تميل إلى تفسير أكثر مرونة أو أكثر تشددًا.
المؤكد أن 26 نوفمبر لن يكون يومًا عاديًا، فالطعون هذه المرة ليست نزاعًا بين مرشحين، بل اختبارًا حقيقيًا لقدرة النظام القانوني على احتواء عملية انتخابية مشوبة بعيوب جسيمة، ومناخ سياسي محتقن، ورغبة رئاسية معلنة في تفكيك الأزمة.
هذه القراءة ليست إلا تحليلًا قانونيًا متجردًا، يستند إلى النصوص والفقه والقضاء، دون أي مساس بمقام القضاء الذي نجلّه ونحترمه.






